وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها

الحقائق العلمية على ضوء القرآن الكريم
(حركة الشمس)

من ضمن الآيات القرآنية التي اعتبرها الملحدون مخالفة لنتائج الأبحاث العلمية الآية 38 من سورة يس والتي تتحدث عن حركة الشمس (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) ويعتبر الملحدون أن هذه الآية الكريمة تتحدث عن التصور الذي كان سائداً قديماً من أن الشمس تدور حول الأرض وهذا يعني أن مصدر القرآن الكريم ليس سماوياً بل أرضياً لأنه لو كان من عند الله تعالى لما تأثر بتلك النظرية السائدة في ذلك الوقت! فما هي الإجابة على هذا الاشكال وهل أن الآية الكريمة تتحدث عن دوران الشمس حول الأرض؟

نعيد لفت نظر القارئ الكريم أن الغاية من هذه الأبحاث ليست الخوض في تفاصيل البحث العلمي بل جل المقصود منها هو نفي وجود أي تناقض بين القرآن الكريم وبين الواقع سواء كان علمياً أو تاريخياً أو في أي مجال من المجالات وقد انطلقنا في هذه المقالات من قوله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) وبعبارة أخرى نريد أن نبين أنه لا مشكلة للدين مع العلم لا على مستوى الأبحاث الفلسفية ولا على مستوى المضامين القرآنية.

يقول صاحب تفسير الأمثل: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) (سورة يس:38) هذه الآية تبيّن بوضوح حركة الشمس بشكل مستمر، أمّا ما هو المقصود من تلك الحركة؟ فللمفسّرين أقوال متعدّدة:

قال بعضهم: إنّ ذلك إشارة إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض، تلك الحركة التي ستستمر إلى آخر عمر العالم الذي هو نهاية عمر الشمس ذاتها.

وقال آخرون: إنّه إشارة إلى ميل الشمس في الصيف والشتاء نحو الشمال والجنوب على التوالي، لأنّنا نعلم بأنّ الشمس تميل عن خطّ اعتدالها في بدء الربيع بطرف الشمال، لتدخل في مدار (٢٣) درجة شمالا، وتعود مع بدء الصيف قليلا قليلا حتّى تنتهي إلى خطّ اعتدالها عند بداية الخريف وتستمر على خطّ سيرها ذلك باتّجاه الجنوب حتّى بدء الشتاء، ومن بدء الشتاء تتحرّك باتّجاه خطّ اعتدالها حتّى تبلغ ذلك عند بدء الربيع. وبديهي أنّ جميع تلك الحركات في الواقع ناجمة عن حركة الأرض حول الشمس وانحرافها عن خطّ مدارها، وان كانت ظاهرا تبدو وكأنّها حركة الشمس.

وآخرون اعتبروا الآية إشارة إلى حركة الشمس الموضعية بالدوران حول نفسها، حيث أثبتت دراسات العلماء بشكل قطعي أنّ الشمس تدور حول نفسها (١).

وآخر وأحدث التفاسير التي ظهرت بخصوص هذه الآية، هو ما كشفه العلماء أخيرا من حركة الشمس مع منظومتها باتّجاه معيّن ضمن المجرة التي تكون المجموعة الشمسية جزءا منها، وقيل أنّ حركتها باتّجاه نجم بعيد جدّا أطلقوا عليه اسم «فيغا».

كلّ هذه المعاني المشار إليها لا تتضارب فيما بينها، ويمكن أن تكون جملة «تجري» إشارة إلى جميع تلك المعاني ومعاني اخرى لم يصل العلم إلى كشفها، وسوف يتمّ كشفها في المستقبل.

وعلى كلّ حال، فإنّ حركة كوكب الشمس الذي يعادل مليون ومائتي الف مرّة حجم الأرض، بحركة دقيقة ومنظمة في هذا الفضاء اللامتناهي، ليس مقدورا لغير الله سبحانه الذي تفوق قدرته كلّ قدرة وبعلمه اللامتناهي، لذا فإنّ الآية تضيف في آخرها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

أمّا آخر ما قيل في تفسير هذه الآية فهو أنّ تعبير الآية يشير إلى نظام السنّة الشمسية الناشئ عن حركة الشمس عبر الأبراج المختلفة، ذلك النظام الذي يعطي لحياة الإنسان نظاما وبرنامجا معيّنا يؤدّي إلى تنظيم حياته من مختلف النواحي.

لذا فإنّ الآية التالية تتحدّث عن حركة القمر ومنازلة التي تؤدّي إلى تنظيم أيّام الشهر، وذلك لأجل تكميل البحث السابق، فتقول الآية: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) والتي سوف نتحدث عنها في المقالة التالية بعون الله تعالى.


(١) طبق هذا التّفسير فإنّ (اللام) في «لمستقر لها» بمعنى «في» ويكون التقدير «في مستقر لها».