التقوى قرينة العمل

التقوى قرينة العمل

عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَو قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّه – الصادق – (عليه السلام) فَذَكَرْنَا الأَعْمَالَ، فَقُلْتُ أَنَا: مَا أَضْعَفَ عَمَلِي! قَال:”مَه، اسْتَغْفِرِ اللَّه. ثُمَّ قَالَ لِي: إِنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ مَعَ التَّقْوَى خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعَمَلِ بِلَا تَقْوَى”. قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ كَثِيرٌ بِلَا تَقْوَى؟ قَالَ: “نَعَمْ مِثْلُ الرَّجُلِ يُطْعِمُ طَعَامَه ويَرْفُقُ جِيرَانَه ويُوَطِّئُ رَحْلَه [أي يكثر ضيوفه] فَإِذَا ارْتَفَعَ لَه الْبَابُ مِنَ الْحَرَامِ دَخَلَ فِيه فَهَذَا الْعَمَلُ بِلَا تَقْوَى، ويَكُونُ الآخَرُ لَيْسَ عِنْدَه فَإِذَا ارْتَفَعَ لَه الْبَابُ مِنَ الْحَرَامِ لَمْ يَدْخُلْ فِيه”.

اعتنى الإسلام ببناء الشخصية الإيمانية وتربيتها، وأهمُّ ما في هذا البناء تحصينها من الحرام، و بمقتضى الحكمة الإلهية التي قضت بأن تكون هذه الحياة الدنيا ساحة الاختبار والامتحان، كان الإنسان في معرض الوقوع في الحرام، ومواجهة ذلك بامتلاك القوة التي تردعه عن ذلك والتي هي التقوى.

والإسلام الذي حث على العمل الصالح، لم يعتن بكثرته بقدر عنايته واهتمامه بالنية الخالصة التي رغِب أن تصدر عنه، لأن هذه النية المقرونة بالعمل الصالح هي باب القرب إلى الله عز وجل، وكلما ازداد العبد قربا ازداد خشية من معصية ربه وازداد حبا له فلم يخالفه واجتنب كل ما يكون سببا لسخطه.

وينبّه الإمام بوضوح على أن المعيار الذي على أساسه تكون قيمة الفرد عند الله عز وجل ليست هي في كثرة العمل وقلته بل في مدى الأثر الذي تتركه على نفسه، فلعل القليل من العمل يجعل الإنسان في حصن حصين من المعاصي، ولا يصل الكثير من العمل بالإنسان إلى ذلك.

وفي قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين﴾, نلحظ كيف كان عمل أحدهما مقبولا دون الآخر، وفي هذا دلالة واضحة على أن ميزان قبول الأعمال عند الله ينظر فيه إلى تلك الصفات التي على أساسها انطلق الإنسان في عمله وليس على مجرد مقدار العمل قلة أو كثرة.

كما ترشدنا الآية الكريمة إلى أن الخوف من الله عز وجل والذي هو ملكة التقوى كانت الدرع الحصين لأن يقع صاحب التقوى في الإقدام على قتل أخيه.

وتعبير الإمام في الرواية – إذا ارتفع له الباب من الحرام – يشير إلى أن الإنسان قد لا يقدم على فعل الحرام أحيانا لأن طرق ذلك غير متاحة أمامه، ولكنه متى فتح له باب لمكسب من مكاسب الدنيا أو لقضاء شهوة من شهوات النفس تجده يدخله، ولا يفكر في عاقبته، والعمل الصالح الذي كان يواظب عليه وعلى الرغم من كثرته لم يجعله في حصن لأنه لم يصدر عن تلك الملكة النفسية التي تردعه عن المعصية.

كما أن العمل الذي يقوم به الإنسان عليه أن يعتني بحفظه، لأن العمل الصالح إذا أعقبه الحرام، كان محبطا، ونتيجة ذلك أن يفقد قيمته وفائدته، ولذلك فالمحافظة على العمل أهم من أصل القيام بالعمل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى