حقُّ الوَلَد

شبكة المعارف الإسلامية بتصرف*


وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لا يَزالُ العَبدُ المُؤمِنُ يورِثُ أهلَ بَيتِهِ العِلمَ وَالأَدَبَ الصّالِحَ حَتّى يُدخِلَهُمُ الجَنَّةَ جَميعاً، حَتّى لا يَفقِدَ مِنهُم صَغيراً ولا كَبيراً ولا خادِماً ولا جاراً. ولا يَزالُ العَبدُ العاصي يورِثُ أهلَ بَيتِهِ الأَدَبَ السَّيِّئَ حَتّى يُدخِلَهُمُ النّارَ جَميعاً حَتّى لا يَفقِدَ فيها مِن أهلِ بَيتِهِ صَغيراً ولا كَبيراً ولا خادِماً ولا جاراً».

يرتبطُ الفردُ المؤمنُ بالمجتمعِ الذي يعيشُ فيه، وقوامُ صلاحِ المجتمعِ وكونُه في المسارِ الإلهيِّ هو بارتباطِ أفرادِه بهذا المسارِ؛ ومن هنا أولى الإسلامُ التربيةَ السليمةَ للفردِ اهتماماً خاصّاً، فلم يجعلِ اللهُ عزَّ وجلَّ الإنسانَ المؤمنَ مسؤولاً عن نفسِه فقط، بل حمّلَه مسؤوليةَ المحيطِ الاجتماعيِّ الذي يعيشُ فيه؛ لأنَّ أفرادَ هذا المحيطِ إذا كانوا سالمينَ في البعدِ الدينيِّ والأخلاقيِّ كان المجتمعُ كذلك.

والصفاتُ التي يتحلّى المؤمنُ بها قابلةٌ للانتقالِ إلى الأسرةِ، والتي هي الإطارُ الأوّلُ المرتبطُ مباشرةً به؛ ومن هنا كان التعبيرُ في الروايةِ بكلمةِ (يورّث)، فالأخلاقُ الحسنةُ إذا التزمَ بها المؤمنُ شكّلَ القدوةَ الحسنةَ المؤثّرةَ فيهم.

وكما يكونُ ربُّ الأسرةِ مسؤولاً عن حفظِ الأسرةِ من المخاطرِ التي تُحيطُ بها في هذه الدنيا، فتجدُه أشدَّ الحرصِ على ذلك، فإنَّ عليه وعملاً بقولِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، أن يكونَ حريصاً على حفظِ ديِنهم بما يقيهم من مخاطرِ الانزلاقِ إلى نارِ جهنمَ في الآخرةِ، وقوامُ ذلك العملُ أوّلاً، ثمّ الأمرُ والنهيُ، فقدَ وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «أنّه لمّا نزلتْ هذه الآيةُ -﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾- قالَ الناسُ: يا رسولَ اللهِ، كيف نقي أنفسَنا وأهلينا؟ قال: اعملوا الخيرَ، وذكِّروا به أهليكم، فأدِّبوهم على طاعةِ اللهِ»، ثم قالَ أبو عبدِ اللهِ (الصادقُ) (عليه السلام) : «ألا ترى أنَّ اللهَ يقولُ لنبيِّه : «وأْمُر أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»، وقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّ﴾.

وأهمُّ عنصرٍ في هذه التربيةِ أنْ تكونَ في وقتِها المناسبِ؛ أي المبادرةُ في الوقتِ الذي يكونُ فيه وعاءُ المتربي خالياً من المفاسدِ، وبعيداً عن الموانعِ التي تحولُ دونَ تأثيرِ هذه التربيةِ أثرَها، ويُبيّنُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) الأسبابَ الموجبةَ للمبادرةِ في وصيةٍ له فيقولُ: «وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ، مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْه، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ… ورَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وأَجْمَعْتُ عَلَيْه مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، وأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ ومُقْتَبَلُ الدَّهْرِ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ ونَفْسٍ صَافِيَةٍ ».

وهذه المسؤوليةُ هي حقٌّ من حقوقِ الولدِ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ حَقّاً، وإِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقّاً، فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، أَنْ يُطِيعَه فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّه سُبْحَانَه، وحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه، ويُحَسِّنَ أَدَبَه، ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى